أنواع اللقاحات وتاريخها

اللقاحات وتاريخ التطعيمات وأنواعها مع توصيات طبية هامة

يشكل التطعيم إحدى أعظم الاكتشافات الطبية في تاريخ البشرية، إذ أسهم في الوقاية من أوبئة فتاكة، وحمى أجيالاً من الإصابة بأمراض كانت تُعد في السابق من الأسباب الرئيسة للوفاة والعجز المزمن. لقد تحوّلت اللقاحات من وسيلة بدائية لمحاولة التحكم في انتشار الجدري إلى ركيزة أساسية في استراتيجيات الصحة العامة على مستوى العالم، تُعتمد في الوقاية والتدخل المبكر قبل أن تتحول العدوى إلى تهديد صحي حقيقي.

النشأة التاريخية للتطعيمات

بدأت أولى محاولات التحصين ضد الأمراض في الصين والهند منذ أكثر من ألف عام، حيث استخدمت طرق بدائية مثل “التجدير” الذي كان يعتمد على إدخال مواد من بثور مصابة بالجدري إلى أجسام أشخاص أصحاء لإحداث مناعة. إلا أن المنعطف العلمي الحقيقي حدث في القرن الثامن عشر عندما قام الطبيب البريطاني إدوارد جينر عام 1796 بإجراء تجربة ناجحة استخدم فيها فيروس جدري البقر لحماية طفل من الإصابة بالجدري البشري. هذه التجربة أرست الأساس لفكرة التطعيم بالمفهوم الحديث.

مع التقدم في علم الأحياء الدقيقة واكتشاف الجراثيم المسببة للأمراض، ظهر لقاح الكلب الذي طوّره لويس باستور في القرن التاسع عشر، والذي مثّل نقطة انطلاق نحو تصنيع لقاحات أخرى ضد أمراض مثل الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي والسل. وفي القرن العشرين، شهدت البشرية تطور لقاحات فعالة ضد الحصبة، شلل الأطفال، والأنفلونزا، وصولاً إلى لقاحات الأمراض المستجدة مثل كوفيد-19 في القرن الحادي والعشرين.

آلية عمل اللقاحات

يعتمد مبدأ عمل اللقاحات على تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج استجابة مناعية ضد عامل مرضي معين دون التسبب بالإصابة الفعلية بالمرض. تحتوي اللقاحات على أجزاء من الميكروبات المسببة للمرض (مثل البروتينات أو الأحماض النووية)، أو نسخاً مضعّفة أو معطّلة منها، تُعطى للجسم بشكل مُنظم، مما يؤدي إلى تهيئة الجهاز المناعي للتعرف على هذا العامل المرضي بسرعة وفعالية إذا ما تعرّض له لاحقاً.

هذه الاستجابة الوقائية تُكوِّن “الذاكرة المناعية”، وهي خاصية فريدة للجهاز المناعي تسمح له بالتعامل مع الميكروبات المُمرضة بفاعلية عند مواجهتها مستقبلاً.

أنواع اللقاحات

تطورت تقنيات صناعة اللقاحات على مر الزمن، ويمكن تصنيفها إلى عدة أنواع رئيسية، تختلف من حيث التكنولوجيا المستخدمة وطريقة التحفيز المناعي:

1. اللقاحات الحية المُضعفة

تحتوي على نسخة حيّة من الميكروب المسبب للمرض، لكن بعد تضعيفه ليفقد قدرته على إحداث المرض، مع بقائه قادراً على تحفيز استجابة مناعية قوية. أمثلة على هذا النوع تشمل:

• لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR)

• لقاح شلل الأطفال الفموي

• لقاح الحمى الصفراء

الميزات: فاعلية طويلة الأمد واستجابة مناعية قوية.

العيوب: غير مناسبة للأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.

2. اللقاحات المعطّلة

تحتوي على ميكروبات ميتة أو معطّلة تماماً بحيث لا يمكنها التكاثر داخل الجسم.

أمثلة:

• لقاح شلل الأطفال (الحقني)

• لقاح التهاب الكبد A

• لقاح السعال الديكي (المُعطّل)

الميزات: آمنة لأصحاب المناعة الضعيفة.

العيوب: قد تحتاج إلى جرعات تعزيزية أكثر من اللقاحات الحية.

3. اللقاحات القائمة على البروتينات أو السموم

تحتوي على بروتينات معيّنة من الميكروب، أو سموم مُعدّلة بشكل غير سام لتحفيز الاستجابة المناعية.

أمثلة:

• لقاح الكزاز

• لقاح الدفتيريا

• لقاح السعال الديكي (اللاخلوي)

الميزات: يمكن توجيهها لاستهداف مكونات محددة من العامل الممرض.

العيوب: في بعض الأحيان تتطلب مواد مساعدة لزيادة فعاليتها.

4. اللقاحات الجينية (RNA وDNA)

تُستخدم فيها تقنية الهندسة الوراثية لإدخال شيفرة وراثية تؤدي إلى إنتاج بروتينات فيروسية تحفز الاستجابة المناعية.

أمثلة:

• لقاح فايزر ولقاح موديرنا ضد كوفيد-19 (mRNA)

• لقاحات تجريبية ضد السرطان والإيبولا

الميزات: سهلة التصنيع وسريعة التطوير.

العيوب: تتطلب تقنيات تخزين خاصة، وتواجه تحديات في إيصال الجزيئات إلى داخل الخلايا.

5. اللقاحات الناقلة (Viral Vector Vaccines)

تعتمد على استخدام فيروس ناقل (غير ضار) لنقل الجين المسؤول عن إنتاج البروتين الفيروسي المطلوب إلى خلايا الجسم.

أمثلة:

• لقاح أسترازينيكا

• لقاح جونسون آند جونسون

الميزات: تؤدي إلى استجابة مناعية قوية ومتعددة الجوانب.

العيوب: قد يكون لدى بعض الأشخاص مناعة سابقة ضد الفيروس الناقل.

جدول مقارن لأنواع اللقاحات

أهمية اللقاحات في الصحة العامة

ساهمت اللقاحات في انخفاض معدلات وفيات الأطفال، والقضاء على العديد من الأوبئة. أبرز الأمثلة على ذلك هو القضاء التام على الجدري في عام 1980، وانخفاض معدلات الإصابة بشلل الأطفال بنسبة تتجاوز 99% منذ إطلاق مبادرة استئصال شلل الأطفال العالمية.

إلى جانب الحماية الفردية، توفر اللقاحات ما يُعرف بـ”المناعة المجتمعية”، والتي تمنع انتشار الأمراض في المجتمع وتحمي الفئات غير القادرة على تلقي اللقاح مثل الأطفال حديثي الولادة والمصابين بأمراض مزمنة.

التحديات المعاصرة المتعلقة بالتطعيم

رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال هناك تحديات تواجه برامج التطعيم في العالم، منها:

• نقص الثقة العامة: نتيجة انتشار معلومات مغلوطة ومؤامرات حول سلامة اللقاحات.

• الوصول المحدود: في بعض الدول النامية أو في مناطق النزاعات، حيث يصعب توفير اللقاحات بشكل منتظم.

• الطفرات الفيروسية: كما حصل مع فيروس كورونا، مما يفرض تطوير لقاحات جديدة أو جرعات تعزيزية بشكل مستمر.

• المقاومة المجتمعية: من بعض الجماعات الرافضة للتطعيم لأسباب دينية أو ثقافية.

التوصيات الطبية الهامة

1. الالتزام بجدول التطعيمات الوطنية

توصي الهيئات الصحية كمنظمة الصحة العالمية والمراكز الأميركية للوقاية من الأمراض (CDC) باتباع جداول التطعيم المحددة حسب الفئة العمرية، نظراً لأهميتها في الوقاية من أمراض الطفولة والمراهقة.

2. اللقاحات الخاصة بالمراحل العمرية المختلفة

• الأطفال: تشمل التطعيمات ضد الحصبة، النكاف، السعال الديكي، التيتانوس، الدفتيريا، شلل الأطفال، الكبد A وB.

• النساء الحوامل: يُوصى بلقاحات محددة مثل التيتانوس والأنفلونزا.

• كبار السن: يُفضل تلقي لقاحات مثل لقاح المكورات الرئوية والأنفلونزا الموسمية.

3. السفر والتطعيم

تتطلب بعض الوجهات السياحية أو الدول لقاحات خاصة مثل لقاح الحمى الصفراء، لقاح التهاب الكبد A وB، لقاح الكوليرا، وغيرها، ويجب استشارة الطبيب قبل السفر بوقت كافٍ.

4. متابعة التطعيمات المعززة

بعض اللقاحات تتطلب جرعات تعزيزية دورية لضمان استمرار المناعة مثل التيتانوس الذي يُعاد كل 10 سنوات.

5. التطعيم في حالات ضعف المناعة

يجب استشارة الطبيب المختص لتحديد أنواع اللقاحات المناسبة وتوقيتها عند الإصابة بأمراض مناعية أو استخدام أدوية مثبطة للمناعة.

دور اللقاحات في مواجهة الجوائح

أثبتت جائحة كوفيد-19 مدى أهمية الاستثمار في الأبحاث المتعلقة بالتطعيمات، وكيف يمكن للقاحات أن تُحدث فرقاً في السيطرة على انتشار الأوبئة العالمية. بفضل التعاون الدولي وتطوير تقنيات حديثة كـ mRNA، تمكّنت عدة شركات من إنتاج لقاحات فعالة خلال فترة قياسية.

خاتمة

يمثل التطعيم أحد أنجح التدخلات الصحية الوقائية في تاريخ الطب الحديث. إن تعزيز الوعي بأهمية اللقاحات، ومجابهة الشائعات، والحرص على الالتزام بالجرعات، يعتبر واجباً مشتركاً بين الأفراد والمؤسسات الصحية لتحقيق الوقاية الجماعية والارتقاء بمستوى الصحة العامة.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO) – Immunization and vaccines.

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Vaccine Information Statements.